سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من هذه الأحوال، وقرأ ابن أَبي عبلة {لمايتون} بالألف، و{تبعثون} معناه من قبوركم أَحياء، وهذا خبر بالبعث والنشور، والطريق كل ما كان طبقات بعضه فوق بعض، ومنه طارقت نعلي، ويريد ب السبع الطرائق السماوات، ويجوز أن تكون الطرائق بمعنى المبسوطات من طرقت الشيء، وقوله تعالى: {وما كنا عن الخلق غافلين} نفي عام في إتقان خلقهم وعن مصالحهم وعن أَعمالهم، وقوله تعالى: {ماء بقدر}، قال بعض العلماء أراد المطر، وقال بعضهم إنما أراد الأنهار الأربعة سيحان وجيحان والفرات والنيل، والصواب أن هذا كله داخل تحت الماء الذي أنزله الله تعالى، وقال مجاهد: ليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء ويمكن أَن يقيد هذا بالعذب وإلا فالأجاج ثابت في الأرض مع القحط والعذب يقل مع القحط، وأيضاً فالأحاديث تقتضي الماء الذي كان قبل خلق السماوات والأرض، ولا محالة أَن الله قد جعل في الأرض ماء وأنزل من السماء ماء، وقوله، {بقدر}، أي على مقدار مصلح لأَنه لو كثر أهلك، {فأنشأنا}، معناه فأوجدنا وخلقنا، وذكر تعالى {النخيل والأعناب} لأَنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما قاله الطبري، ولأنهما أيضاً أشرف الثمار فذكرها مثالاً تشريفاً لها وتنبيهاً عليها، وقوله {لكم فيها} يحتمل أن يعود الضمير على الجنات فيريد حينئذ جميع أنواع الفاكهة، ويحتمل أن يعود على النخيل والأعناب خاصة، إذ فيها مراتب وأنواع والأول أعم لسائر الثمرات، وقوله {وشجرة} عطف على قوله {جنات} ويريد بها الزيتونة وهي كثيرة في {طور سيناء} من أرض الشام وهو الجبل الذي كلم فيه موسى عليه السلام قاله ابن عباس وغيره، والطور الجبل في كلام العرب وقيل هو مما عرب من كلام العجم واختلف في {سيناء} فقال قتادة معناه الحسن ويلزم على هذا التأويل أَن ينون الطور وقال مجاهد معناه مبارك، وقال معمر عن فرقة ذو شجر ع ويلزمهم أن ينون الطور، وقال الجمهور هو اسم الجبل كما تقول جبل أحد، و{سيناء}، اسم مضاف إليه الجبل، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير {سِيناء} بكسر السين، وقرأ الباقون وعمر بن الخطاب {سَيناء} بفتح السين، وكلهم بالمد، فعلى فتح السين لا ينصرف الاسم بوجه، وعلى كسر السين فالهمزة كهمزة حرباء ولم يصرف في هذه الآية لأَنه جعل اسم بقعة أو أَرض، وقرأ الجمهور، {تنبُت} بفتح التاء وضم الباء فالتقدير تنبت ومعها الدهن كما تقول خرج زيد بسلاحه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {تُنبت} بضم التاء واختلف في التقدير على هذه القراءة، فقالت فرقة الباء زائدة وهذا كقوله
{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] وهذا المثال عندي معترض وإن كان أبو علي ذكره وكقول الشاعر: [الرجز]
نحن بني جعدة أرباب الفلج *** نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
ونحو هذا. وقالت فرقة: التقدير {تنبت} جناها ومعه الدهن فالمفعول محذوف قاله أبو علي الفارسي أيضاً وقد قيل نبت وأنبت بمعنى فيكون الفعل كما مضى في قراءة الجمهور والأصمعي ينكر البيت ويتهم قصيدة زهير التي فيها أَنبت البقل، وقرأ الزهري والحسن والأعرج {تُنبَتُ} برفع التاء ونصب الباء قال أَبو الفتح هي باء الحال أي تنبت ومعها دهنها وفي قراءة ابن مسعود تخرج بالدهن وهي أيضاً باء الحال وقرأ زر بن حبيش {تُنبِت} بضم التاء وكسر الباء الدهن بحذف الباء ونصبه وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب {بالدهان} بالألف والمراد في هذه الآية تعديد نعمة الزيت على الإنسان وهي من أركان النعم التي لا غنى بالصحة عنها ويدخل في معنى الزيتونة شجر الزيت كله على اختلافه بحسب الأقطار وقرأت فرقة، {وصبغ}، وقرأت فرقة {وأصباغ} بالجمع، وقرأ عامر بن عبد قيس، {ومتاعاً للآكلين}.


{الأنعام} هي الإبل والبقر والضأن والمعز والعبرة في خلقتها وسائر اخبارها، وقرأ الجمهور {نُسقيكم} بضم النون من أسقى، ورويت عن عاصم، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر {نَسقيكم} بفتح النون من سقى، فمن الناس من قال هما لغتان بمعنى، ومنهم من قال سقيته إذا أعطيته للشفة وأسقيته إذا جعلت له سقياً لأرض أو ثمرة ونحوه، فكأن الله تعالى جعل الأنعام لعبيده سقياً يشربون وينتجعون، وقرأ أبو جعفر {تسقيكم} بالتاء من فوق أَي تسقيكم الأنعام، والمنافع الحمل عليها وجلودها وأصوافها وأوبارها وغير ذلك مما يطول عده، و{الفلك}، السفن واحدها فلك الحركات في الواحد كحركات قفل والحركات في الجمع كحركات أسد وكتب.


هذا ابتداء تمثيل لكفار قريش بأمم كفرت بأنبيائها فأهلكوا، ففي ضمن ذلك الوعيد بأن يحل بهؤلاء نحو ما حل بأولئك، ونوح عليه السلام أول نبي أرسل إلى الناس وإدريس أول من نبيّ ولم يرسل، و{الملأ} الأشراف لأنهم عنهم يصدر الملأ وهو جمع القوم، وفي قوله {هؤلاء} استبعاد بعثة البشر وهم قوم مقرون بالملائكة وذلك لا شك متقرر عندهم من بقايا نبوءة آدم وإدريس وغيرهما. ولم يكن عن علم صحيح ولا معرفة بأخبار نبوءة والجنة جنون، {فتربصوا} معناه فاصبروا وانتظروا هلاكه، و{حتى حين} معناه إلى وقت ولم يعينوه وإنما أرادوا إلى وقت يريحكم القدر منه، ثم إن نوحاً عليه السلام دعا على قومه حين يئس منهم وإن كان دعاؤه في هذه الآية ليس بنص وإنما هو ظاهر من قوله {بما كذبون} فهذا يقتضي طلبه العقوبة وأما النصرة بمجردها فكانت تكون بردهم إلى الإيمان، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن {ربُّ انصرني} برفع الباء وكذلك {ربُّ احكم} وشبهه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8